تفاسير سور من القرآن
العقاب يقع بذنوب البعض
...............................................................................
وقد يهلك الله بني آدم بذنوب بعضهم، فإذا انتشر الفساد في الأرض، وكان الناس قادرين على أن يكفوه فلم يكفوه نزل البلاء، فعم الصالح والطالح كما جاء في الأحاديث الكثيرة. في قوله تعالى: رسم> وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً قرآن> رسم> .
ومن أوضح ذلك حديث النعمان بن بشير اسم> الثابت في الصحيح المشهور الذي ضرب فيه النبي صلى الله عليه وسلم مثلا للناس؛ إن أخذت على أيدي السفهاء ومنعتهم من معاصي الله، وأمرت بالمعروف، ونهت عن المنكر، وإن لم تفعل ذلك. فضرب لهم مثلا بقوم استهموا على سفينة.
وكان بعضهم في أسفل السفينة وكانوا إذا أرادوا أن يشربوا من الماء صعدوا فمروا على من فوقهم فقالوا: لا ينبغي لنا أن نصعد ونمر على من فوقنا بل نخرق السفينة مما يلينا، ونشرب مما يلينا، فلا نصعد حتى نمر على من بأعلاها؛ فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنهم إن تركوهم وما أرادوا وخرقوا السفينة دخل الماء فيها فامتلأت فغرق الجميع. وإن زجروهم، وكفوا أيديهم نجوا ونجا الجميع.
نقلنا الحديث بالمعنى هو حديث ثابت في الصحيح مشهور. وهو واضح في أن السفهاء إن لم يؤمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر، ويضرب على أيديهم -أنهم يهلكون الجميع، ويهلك الجميع بذنوبهم.
وفي الحديث الصحيح المشهور من حديث أم المؤمنين أم الحكم زينب بنت جحش اسم> رضي الله عنها أنها لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: رسم> ويل للعرب من شر قد اقترب!! فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا وعقد التسعين -مثل هذا- أنها رضي الله عنها لما سألته فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث متن_ح> رسم> .
فإذا انتشرت المعاصي، وكثر الخبث، ولم يضرب على أيدي السفهاء أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده، ولذا عم جميع من في الأرض بذنوب من كذبوا نوحا اسم> عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام. لما دعا عليهم نوح اسم> قيل لنوح اسم> رسم> حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ قرآن> رسم> .
الذي سبق عليه القول من أهله زوجته الكافرة قبحها الله، وابنه الكافر. والمؤرخون يزعمون أن اسمه كنعان اسم> فلما ركب نوح اسم> في السفينة وفجر الله عيون الأرض، وأنزل الماء من السماء رسم> فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر قرآن> رسم> أهلكهم الله بذلك الطوفان ولم يبق منهم باقية.
وفي قصتهم أن الله تبارك وتعالى لو كان يرحم أحدا منهم لرحم امرأة منهم في القصة؛ لأن عندها ولدا صغيرا تحبه حبا شديدا، كانت كلما طلع الماء ارتفعت بالولد إلى الجبل، حتى صارت على رأس الجبل فطم الماء على الجبل، فكان الماء كلما بلغ شيئا منها رفعت الولد، حتى بلغ حلق حلقومها رفعت يدها بالولد حتى أغرق الله الجميع ودمر الله الجميع.
واعتذر نبي الله نوح اسم> عن دعائه عليهم مع أن الله أعلمه أنهم خبثاء، ليس فيهم خير. نوح اسم> -يقول لربه: رسم> قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا قرآن> رسم> .
... إلا قليل.
وبعض المؤرخين يقولون: هم ثمانون رجلا أربعون رجلا وأربعون امرأة هم ثمانون نفسا، وبعضهم يقول: هم تسعة أنفس، والله تعالى أعلم. ولكن الله بين أنهم قليل؛ حيث قال: رسم> وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ قرآن> رسم> وقال: رسم> أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ قرآن> رسم> .
فصارت تلك السفينة تجري بهم تتلاطم عليها الأمواج، كما قال تعالى: رسم> وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ قرآن> رسم> ؛ أي الأمواج كأنها الجبال، وهذا يدل على عظم الطوفان وارتفاعه فوق الأرض؛ حيث شبه أمواجه بالجبال كما قال: رسم> وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ قرآن> رسم> فأهلكهم الله ودمرهم واستوت السفينة رسم> عَلَى الْجُودِيِّ قرآن> رسم> .
ثم لما قضى الله أمره رسم> وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ قرآن> رسم> فلما أرسل الله الرياح، ونشفت الأرض، ويبست من آثار ذلك الطوفان نزل نوح اسم> ومن معه، وتناسل من معه، وصار جميع الدنيا من أولاده الثلاثة الذين كانوا معه كما قال تعالى: رسم> وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ قرآن> رسم> .
والمؤرخون يسمون نوحا اسم> آدم الأصغر؛ لأن جميع من بعده من الدنيا من نسله، وأولاده الذين معه سام اسم> وحام اسم> ويافث اسم> وبعض المؤرخين يقولون: إن جميع الموجودين في الدنيا راجع إلى تلك الأصناف التي هي من نسل هؤلاء الرجال، ويزعمون أن ساما اسم> من نسله العرب والروم والفرس، وأن حاما اسم> من نسله القبط والسوادين والبربر، وأن يافث اسم> من نسله الصقالبة ويأجوج ومأجوج والترك، وأن جميع أنواع الناس يرجع في الأصل إلى هذه العناصر.
هكذا يقولون والله تعالى أعلم، ولذا قال تعالى: رسم> فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ قرآن> رسم> الفلك السفينة. وهذه السفينة تمشي في البحر تحمل الناس آية من آيات الله كما قال: وآية لهم أنا حملنا ذرياتهم في الفلك المشحون، وفي القراءة الأخرى: رسم> ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ قرآن> رسم> .
فالفلك السفينة، ويطلق على جمع السفن فهو يطلق على المفرد وعلى الجمع، قال بعض علماء العربية: إن أطلق على المفرد فضمة فلك كضمة قفل، وإن أطلق على الجمع فضمة فلك كضمة كتب ورسل، هكذا يقولون. وقد يجوز تذكيره وتأنيثه.
وإذا جاء في القرآن مجموعا كان مؤنثا دائما كقوله في الفلك: رسم> لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ قرآن> رسم> رسم> وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ قرآن> رسم> إلى غير ذلك من التأنيث، وربما جاء الفلك مذكرا مفردا في قوله: رسم> فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ قرآن> رسم> ولم يقل المشحونة أي المملوء ... رسم> فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ قرآن> رسم> ؛ أي في السفينة التي هم .. من أجلها وأن الله وعده بأنه سيهلك قومه بالغرق في الطوفان.
وهذا مما يدل على أن الآدميين ينبغي لهم معرفة الصنايع، وألا يكونوا متواكلين متكاسلين؛ فالصنائع والحرف الصناعية ينبغي للمجتمع أن يتعلموها، ألا ترون أن النجارة هي من جملة الصنائع، وكثير من الناس يأنف عن أن يتعاطاها مع أن معلمها الأول هو جبريل اسم> عليه السلام وتلميذها الأول هو نوح اسم> عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
كما في قوله: رسم> وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا قرآن> رسم> ؛ فمعلمها الأول جبريل اسم> وتلميذها الأول نوح اسم> ثم إنها هي السبب في وجود الموجودين من بني آدم على ظهر الأرض؛ لأن من لم يكن في تلك السفينة المصنوعة عن طريق النجارة لم يبق منهم أحد.
لم تبق منهم عين تطرف بل ماتوا كلهم كما قال: رسم> فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ قرآن> رسم> وقال هنا: رسم> فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ قرآن> رسم> .
مسألة>